سورة النجم - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النجم)


        


قوله تعالى: {إن الذين لا يؤمِنون بالآخرة} أي: بالبعث {لَيُسَمُّونَ الملائكةَ تسميةَ الأُنثى} وذلك حين زعموا أنها بنات الله، {وما لهم} بذلك، {من عِلْمٍ} أي: ما يَستيقِنون أنها إناث {إن يَتَّبَعون إِلاّ الظَّنَّ وإن الظَّنَّ لا يُغْني مِن الحقِّ شيئاً} أي: لا يقوم مقامَ العِلْم؛ فالحقُّ هاهنا بمعنى العِلْم.
{فأَعْرِضْ عمَّن تولَّى عن ذِكْرِنا} يعني القرآن؛ وهذا عند المفسرين منسوخ بآية السيف.
قوله تعالى: {ذلك مَبلغُهم من العِلْم} قال الزجّاج: إنَّما يعلمون ما يحتاجون إليه في معايشهم، وقد نبذوا أمر الآخرة.
قوله تعالى: {هو أعلمُ بمن ضَلَّ عن سبيله...} الآية؛ والمعنى أنه عالِمٌ بالفريقين فيجازيهم.


قوله تعالى: {ولله ما في السموات وما في الأرض} هذا إِخبار عن قُدرته وسَعَة مُلكه، وهو كلام معترض بين الآية الأولى وبين قوله: {لِيَجْزِيَ الذين أساؤوا} لأن اللام في {ليجزي} متعلقة بمعنى الآية الأولى، لأنه إِذا كان أعلم بهما، جازى كُلاًّ بما يستحقُّه، وهذه لام العاقبة، وذلك أن عِلْمه بالفريقين أدَّى إلى جزائهم باستحقاقهم، وإِنما يَقْدِر على مُجازاة الفريقين إذا كان واسع المُلك، فلذلك أخبر به في قوله: {ولله ما في السموات وما في الأرض}. قال المفسرون: و{أساؤوا} بمعنى أشركوا، و{أحسنوا} بمعنى وحَّدوا. والحُسنى: الجنَّة. والكبائر مذكورة في سورة [النساء: 31] وقيل: كبائر الإثم: كُلُّ ذَنْب خُتم بالنّار، والفواحش: كُلُّ ذَنْب فيه الحدّ. وقرأ حمزة، والكسائي، والمفضل، وخلف: {يَجْتَنِبون كبِيرَ الإثم} واللَّمم في كلام العرب: المُقارَبة للشيء. وفي المراد به هاهنا ستة أقوال.
أحدها: ما أَلمُّوا به من الإثم والفواحش في الجاهلية، فإنه يُغْفَر في الإسلام، قاله زيد بن ثابت.
والثاني: أن يُلِمَّ بالذَّنْب مَرَّةً ثم يتوب ولا يعود، قاله ابن عباس، والحسن، والسدي.
والثالث: أنه صِغار الذُّنوب، كالنَّظرة والقُبلة وما كان دون الزِّنا، قاله ابن مسعود، وأبو هريرة، والشعبي، ومسروق، ويؤيِّد هذا حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الله كتب على ابن آدم حظَّه من الزِّنا، فزِنا العينين النَّظر، وزِنا اللسان النُّطق، والنفس تشتهي وتتمنَّى، ويصدِّق ذلك ويكذِّبه الفَرْج، فإن تقدَّم بفَرْجه كان الزِّنا، وإلا فهو اللَّمم». والرابع: أنه ما يَهُمُّ به الإنسان، قاله محمد بن الحنفية.
والخامس: أنه ألَّم بالقلب، أي: خَطَر، قاله سعيد بن المسيّب.
والسادس: أنه النَّظر من غير تعمُّد، قاله الحسين بن الفضل. فعلى القولين الأولين يكون الاستثناء من الجنس، وعلى باقي الأقوال ليس من الجنس.
قوله تعالى: {إنَّ ربَّكَ واسعُ المغفرة} قال ابن عباس: لِمَن فعل ذلك ثم تاب. وهاهنا تمَّ الكلام. ثم قال {هو أعْلَمُ بِكُمْ} يعني قبل خَلْقكم {إذ أنشأكم من الأرض} يعني آدم عليه السلام {وإذا أنتم أجِنَّةٌ} جمع جَنِين؛ والمعنى أنه عَلِم ما تفعلون وإلى ماذا تصيرون، {فلا تُزَكُّوا أنفُسَكم} أي: لا تَشهدوا لها أنَّها زكيَّة بريئة من المعاصي. وقيل: لا تمدحوها بحُسن أعمالها. وفي سبب نزول هذه الآية قولان:
أحدهما: أن اليهود كانوا إذا هلك لهم صبيّ، قالوا: صِدِّيق، فنزلت هذه الآية، هذا قول عائشة رضي الله عنها.
والثاني: أن ناساً من المسلمين قالوا: قد صليَّنا وصُمنا وفعلنا، يُزَكُّون أنفُسَهم، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {وهو أعلَمُ بِمَنِ اتَّقى} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: عمل حسنة وارعوى عن معصية، قاله عليّ رضي الله عنه.
والثاني: أخلص العملَ لله، قاله الحسن.
والثالث: اتَّقى الشِّرك فآمن، قاله الثعلبي.


قوله تعالى: {أفرأيتَ الذي تَولَّى} اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال.
أحدها: أنه الوليد بن المغيرة، وكان قد تَبِع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه، فعيَّره بعضُ المشركين، وقال: تركتَ دين الأشياخ وضللَّتَهم؟ قال: إنِّي خشيتُ عذابَ الله، فضَمِن له إن هو أعطاه شيئاً من ماله ورجَع إلى شِركه أن يتحمَّل عنه عذابَ الله عز وجل ففعل، فأعطاه بعضَ الذي ضَمِن له، ثم بَخِل ومنعه، فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد، وابن زيد.
والثاني: أنه النَّضر بن الحارث أعطى بعضَ الفقراء المسلمين خمسَ قلائص حتى ارتدَّ عن إسلامه، وضَمِن له أن يَحْمِل عنه إثمه، قاله الضحاك.
والثالث: أنه أبو جهل، وذلك أنه قال: واللهِ ما يأمُرُنا محمدٌ إلاّ بمكارم الأخلاق، قاله محمد بن كعب القرظي.
والرابع: أنه العاص بن وائل السهمي، وكان رَّبما وافق رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأُمور، قاله السدي.
ومعنى {تَولَّى}: أعرضَ عن الإيمان.
{وأعطى قليلاً} فيه أربعة أقوال.
أحدها: أطاع قليلاً ثم عصى. قاله ابن عباس.
والثاني: أعطى قليلاً من نَفْسه بالاستماع ثم أكدى بالانقطاع، قاله مجاهد.
والثالث: أعطى قليلاً من ماله ثم مَنَع، قاله الضحاك.
والرابع: أعطى قليلاً من الخير بلسانه ثم قطع، قاله مقاتل. قال ابن قتيبة: ومعنى {أَكْدَى}: قَطَع، وهو من كُدْية الرَّكِيَّة، وهي الصَّلابة فيها، وإذا بلغها الحافر يئس من حَفْرها، فقطع الحَفْر، فقيل لكل من طلب شيئاً فلم يبلُغ آخِرَه، أو أعطَى ولم يُتِمَّ: أَكْدَىَ.
قوله تعالى: {أعِنْدَهُ عِلْمُ الغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} فيه قولان:
أحدهما: فهو يرى حاله في الآخرة، قاله الفراء.
والثاني: فهو يعلم ما غاب عنه من أمر الآخرة وغيرها، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأُ بِما في صُحُف موسى} يعني التوراة، {وإبراهيمَ} أي: وصحف إبراهيم. وفي حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن الله تعالى أَنزل على إبراهيمَ عشر صحائف، وأنزل على موسى قَبْلَ التَّوراة عشر صحائف». قوله تعالى: {الذي وَفَّى} قرأ سعيد بن جبير، وأبو عمران الجوني، وابن السميفع اليماني {وَفَى} بتخفيف الفاء. قال الزجاج: قوله: {وَفَّى} أبلغ من {وَفَى}، لأن الذي امتُحن به مِنْ أعظمِ المِحن. وللمفسرين في الذي وفَّى عشرة أقوال.
أحدها: أنه وفَّى عملَ يومه بأربع ركعات في أول النهار، رواه أبوأُمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أنه وفَّى في كلمات كان يقولها. روى سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا أُخْبِرُكم لِمَ سمَّى اللهُ إِبراهيمَ خليله الذي وفَّى؟»
لأنه كان يقول كلمَّا أصبحَ وكلمَّا أمسى: {فسُبْحانَ اللهِ حينَ تُمْسونُ وحين تُصْبِحونَ...} [الروم: 17] وختم الآية.
والثالث: أنه وفَّى الطاعة فيما فعل بابنه، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال القرظي.
والرابع: أنه وفَّى ربَّه جميع شرائع الإسلام، روى هذا المعنى عكرمة عن ابن عباس.
والخامس: أنه وفَّى ما أُمر به من تبليغ الرِّسالة، روي عن ابن عباس أيضاً.
والسادس: أنه عَمِل بما أُمر به، قاله الحسن، وسعيد بن جبير، وقتادة، وقال مجاهد: وفَّى ما فُرض عليه.
والسابع: أنه وفَّى بتبليغ هذه الآيات، وهي: {ألاّ تَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أُخْرى} وما بعدها، وهذا مروي عن عكرمة، ومجاهد، والنخعي.
والثامن: وفَّى شأن المناسك، قاله الضحاك.
والتاسع: أنه عاهد أن لا يَسأل مخلوقاً شيئاً، فلمّا قُذف في النار قال له جبريل، ألَكَ حاجةٌ؟ فقال: أمّا إليك فلا، فوفَّى بما عاهد، ذكره عطاء بن السائب.
والعاشر: أنه أدَّى الأمانة، قاله سفيان بن عيينة.
ثم بيَّن ما في صحفهما فقال: {ألاّ تَزِرُ وازِرةٌ وِزْرَ أُخْرى} أي: لا تَحْمِل نَفْس حاملةٌ حِْملَ أُخْرى؛ والمعنى: لا تؤخَذ بإثم غيرها.
{وأن ليس للإنسان إِلاّ ما سعى} قال الزجّاج: هذا في صحفهما أيضاً. ومعناه: ليس للإنسان إِلاّ جزاء سعيه، إِن عَمِل خيراً جُزِي عليه خيراً، وإِن عَمِل شَرّاً. جزي شَرّاً. واختلف العلماء في هذه الآية على ثمانية أقوال.
أحدها: أنها منسوخة بقوله: {وأَتْبَعْناهم ذُرِّياتِهم بإيمان} [الطور: 21] فأُدخل الأبناء الجَنَّة بصلاح الآباء، قاله ابن عباس، ولا يصح، لأن لفظ الآيتين لفظ خبر، والأخبار لا تُنْسَخ.
والثاني: أن ذلك كان لقوم إبراهيم وموسى، وأما هذه الأمَّة فلهم ما سَعَوا وما سعى غيرُهم، قاله عكرمة، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي سألته: إنَّ أبي مات ولم يحُجَّ، فقال: «حُجِّي عنه». والثالث: أن المراد بالإنسان هاهنا: الكافر، فأمّا المؤمن، فله ما سعى وما سُعي له، قاله الربيع بن أنس.
والرابع: أنه ليس للإنسان إلاّ ما سعى من طريق العدل، فأمّا مِنْ باب الفَضْل، فجائز أن يَزيده اللهُ عز وجل ما يشاء، قاله الحسين بن الفضل.
والخامس: أن معنى {ما سعى} ما نوى، قاله أبو بكر الورّاق.
والسادس: ليس للكافر من الخير إلا ما عمله في الدُّنيا، فيُثاب عليه فيها حتى لا يبقى له في الآخرة خير، ذكره الثعلبي.
والسابع: أن اللام بمعنى على فتقديره: ليس على الإنسان إلا ما سعى.
والثامن: أنه ليس له إلاّ سعيه، غير أن الأسباب مختلفة، فتارة يكون سعيه في تحصيل قرابة وولد يترحم عليه وصديق، وتارة يسعى في خِدمة الدِّين والعبادة، فيكتسب محبة أهل الدِّين، فيكون ذلك سببا حصل بسعيه، حكى القولين شيخنا علي بن عبيد الله الزاغوني.
قوله تعالى: {وأنَّ سَعْيَه سوف يُرَى} فيه قولان:
أحدهما: سوف يُعْلَم، قاله ابن قتيبة.
والثاني: سوف يرى العبدُ سعيَه يومَ القيامة، أي: يرى عمله في ميزانه، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {يُجْزاه} الهاء عائدة على السعي {الجزاءَ الأَوْفَى} أي: الأكمل الأَتمّ.

1 | 2 | 3